البيان الختامي
الصادر عن الندوة الدولية «الجاليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية .. الحقوق والواجبات»
التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي
مكة المكرمة
في يومي 16 و17 رمضان 1438هـ
11و12 يونية 2017م.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:
فبعون الله وتوفيقه اختتمت أعمال الندوة الدولية «الجاليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية.. الحقوق والواجبات» التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة يومي 16 و17 رمضان 1438هـ اللذين يوافقهما 11 و12 يونية 2017م، بمشاركة مرجعيات مهمة و"مستقلة" في قيادات الجاليات الإسلامية حول العالم، إضافةً إلى مفكرين ومختصين بالشأن الإسلامي.
وافتتح الندوة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى بكلمة رحب فيها بضيوف الرابطة، مذكراً باهتمامها بالجاليات الإسلامية، مشدداً على ضرورة احترام خصوصيات المسلمين الدينية، والمطالبة بها بالوسائل المشروعة والحكيمة التي لا ترتد سلباً على المسلمين وقضاياهم.
وأشاد المشاركون بنتائج القمة السعودية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الرياض، وما تضمنته من اعتراف بدور العالم الإسلامي في التصدي للإرهاب، وتأكيدها على الدور القيادي والمحوري للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي وفي محاربة التطرف والإرهاب وما تحظى به من سمعة طيبة وتأثير إقليمي ودولي مستحق ؛ ولجهودها الحثيثة في معالجة مختلف القضايا العربية والإسلامية، ودعمها للقضايا الإنسانية في العالم، وإسهاماتها في تخفيف التوترات ومنع الصراعات.
وأبدى المشاركون تأييدهم لتأسيس المركز العالمي لمحاربة الفكر المتطرف ( اعتدال ) الذي يعد امتداداً لمبادرات المملكة العربية السعودية في نشر قيم التسامح والتعايش ومبادئ الوسطية والاعتدال.
وحذّر المجتمعون من تدخل من لا علم عنده بأحوال الجاليات المسلمة وطبيعة علاقتها مع دولها، وأكد أن هذا الشأن يخص المسلمين خارج العالم الإسلامي ولهم مرجعيتهم وقياداتهم الدينية المستقلة، كما يخص مظلة الشعوب الإسلامية "رابطة العالم الإسلامي"، فيما تقدمه من إرشاد وتوعية ودعم تُقدره الجاليات الإسلامية عالياً بحكم اختصاص الرابطة، ووزنها العالمي، ودورها المحوري المبني على قاعدة استطلاعات شاملة ودقيقة، وصلتها المستحقة بشؤونهم واحترامهم الكبير لها.
وأشاد المجتمعون بخطاب الوعي والحكمة لمعالي الأمين العام للرابطة الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، وانسجامه مع هَدي الشرع ومنطق العقل وهو ما يحقق للجاليات المسلمة سكينتها ويعزز الثقة بها وينسجم مع مطالباتها بحقوقها وفق الأساليب الدستورية والقانونية لكل دولة، شاكرين للرابطة دعمها القانوني لهم في هذه المطالبات في سياقها الحضاري .
وأكدت الندوة على جملة من الأسس تتلخص فيما يلي:
- الإسلام هو رسالة الله تعالى الخاتمة ورحمته للعالمين ، وتشملُ المقاصدُ العظيمة لرسالته الحكيمة صياغةَ الحياة الإنسانية وَفق هَدي الشريعة الذي يُؤسِّس لمجتمع إنساني يسوده العدل والتراحم ، قال الله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ ، وقال صلى الله عليه وسلم:
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
- مسلمو الجاليات خارج العالم الإسلامي جزء مهم من الأمة المسلمة، وهم طليعتها في التعريف بالإسلام والدفاع عنه، وتبيان رسالته للعالمين: ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾.
- مسلمو الجاليات مواطنون في دولهم يشاركون في تنمية بلدانهم، وينهضون بمسؤولياتهم الوطنية في خدمة مجتمعاتهم، والمواطنة الحقة لا تتنافى مع الاستمساك بالهوية الإسلامية والقيم الرفيعة الداعية إلى نشر الخير وتعزيز الفضيلة.
- الاعتزاز بتجربة التعايش الحضارية بين مسلمي الجاليات ومجتمعاتهم، وما حققته من إثراء على كافة المستويات يستدعي المحافظة على مكتسباتها، والسعي في تطويرها، والإفادة منها في صياغة المزيد من العلاقات الإيجابية بين الأمة المسلمة والعالم أجمع، فيما يجني التدخل الخالي بفكره واستطلاعه عن هذه الأبعاد على تلك المكتسبات فيُحسب في الرصد السياسي والأمني على تلك الجاليات وموجِّهاتها الوهمية فيسيئ إليها ويدعم نظريات التوجس منها، وهي منه براء، "هذا على حسن الظن بذلكم التدخل" مع إدراك أن ثمة تدخلات تتكئ على مناهج شتى في سياق لفيف التشدد والتطرف وصولاً إلى أجندة التنظيمات الإرهابية التي يهمها إيجاد الصراعات وتأجيج الجاليات الإسلامية، وهو ما يفسر كثرة عملياتها الإرهابية في الدول الأكثر احتراماً لخصوصيات الجاليات الإسلامية، بغية التصعيد على الإسلام ولاسيما الجاليات فمنظومة الإرهاب تعمل جاهدة على التأزيم وهي الأحفل والأسعد بلوثة الإسلاموفوبيا باعتبارها الداعم الأهم لأجندتها الإرهابية، فالمنطقة المعتدلة وبخاصة في الجاليات الإسلامية تمثل رهاناً مهماً لها.
- رفض الإسلام للغلو والتطرف، وبراءته من الإرهاب ومسالكه التي تصطدم مع قطعيات الإسلام الذي يقوم على الوسطية والاعتدال وصيانة الكرامة الإنسانية: ﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ﴾.
- الظاهرة الإرهابية شذوذ في التصورات والرؤى والسلوك، ووجودها لا يبرر التخويف من الإسلام والاعتداء على المسلمين ومساجدهم ومراكزهم، والإصرار على الربط بين المسلمين وهذه الظاهرة يحقق أهداف الجماعات الإرهابية في تعميق الشقاق في المجتمعات الإنسانية ، ويستولد المزيد من الأزمات العالمية.
التوصيات
- ضرورة تعاون الجهات المختلفة في التصدي للأفكار المتطرفة والإرهابية، والحيلولة دون تسللها إلى أبناء الجاليات الإسلامية.
- دعوة الرابطة إلى وضع حقيبة توعوية ورقية وإلكترونية موجهة للجاليات الإسلامية، والتأكيد على أهمية حضورها المستمر في دعم المسلمين خارج العالم الإسلامي ومتابعة أحوالهم والتواصل معهم.
- دعوة الدول والحكومات إلى الكف عن حضانة ودعم الجماعات المتطرفة، والانضمام الكامل إلى الجهود الدولية في محاربة التطرف والإرهاب التي تقودها المملكة العربية السعودية إسلامياً في بعدها العسكري وفكرياً في بُعدها العالمي.
- دعوة المؤسسات الإسلامية في الغرب إلى البعد عن المفاهيم والخلافات التي تؤثر على الوحدة والألفة الإسلامية، وإلى العمل الدؤوب على تحصين الجاليات المسلمة من اختراقات جماعات الإسلام السياسي ودعاة الطائفية والمذهبية.
- تثمين خطاب الرابطة الشرعي والقانوني في المطالبة باحترام الخصوصية الدينية للمسلمين في الدول غير الإسلامية، وكفالة حرية ممارستهم لشعائرهم الدينية، وبخاصة الحجاب وبناء المساجد والمدارس الإسلامية وغيرها.
- تأييد خطاب الرابطة لما تضمنه من رؤية بعيدة تسعى إلى تحقيق مصلحة الجاليات الإسلامية عبر الأدوات الدستورية والقانونية ، وصون مكتسباتها عن عبث التيارات المتطرفة الداعية إلى التخالف مع المجتمع، والإخلال بأمنه، وعدم احترام العهود والمواثيق والعقد الاجتماعي الجامع لمكونات هذه الدول، ما يعرض الجاليات المسلمة لخطر التطرف المضاد والإساءة لسمعتها والتوجس منها فضلاً عن تعرضها للمخاطر الأخرى.
- التحذير من التأثيرات السلبية التي تتعرض لها الجاليات المسلمة بسبب تدخلات من لا يعرفون أحوال تلك المجتمعات وظروف الجاليات الاسلامية فيها ولا دراية له بخصوصية فقهها، والحذر من الانسياق خلف العاطفة المجردة من استطلاع الأبعاد المستقبلية والحالة الدستورية والقانونية التي تحكم هذه الدول وتنظم سيادتها وعقدها الاجتماعي على ضوء الصيغة الديموقراطية في كل دولة.
- دعوة رابطة العالم الإسلامي إلى إنشاء مركز عالمي تواصلي خاص بالأقليات المسلمة، يسعى إلى تعزيز علاقتها بالعالم الإسلامي، وتطوير شراكاتها مع المؤسسات الإسلامية والدولية.
- دعوة المجامع الفقهية إلى العمل على وضع منظومة خاصة بفقه الأقليات المسلمة يراعي خصوصية هذه المجتمعات وأولوياتها وواقعها، ويسهم في حفاظ المسلمين على هويتهم وثقافتهم وشعائرهم بلا حرج في الدين، ولا عنت في الدنيا.
- دعوة الأجهزة والمنظمات المعنية بالتربية والتعليم والإعلام في الغرب إلى الإسهام في تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين كجزء من مسؤوليتهم الاجتماعية، وأن يكونوا جسور حوار وتواصل مع الآخرين.
- الدعوة إلى تحالف عالمي للوقوف ضد تيارات العنف والكراهية والعنصرية والإسلاموفوبيا بدعم جهود الرصد والتحليل والمعالجة.
- دعوة المؤسسات الإسلامية في الغرب إلى إعادة هيكليتها وتطوير أدائها، والتنسيق فيما بينها ونبذ خلافاتها الضيقة، والتواصل مع صناع القرار السياسي والثقافي والاجتماعي في بلدانهم، والعمل مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والحقوقية لتحقيق الخصوصية الدينية.
ـ دعوة الجاليات الإسلامية إلى أن تكون في بلدانها مصدر إشعاع حضاري وعلمي وأنموذجاً متميزاً في حسن التعايش والتسامح، وأن تكون كذلك أنموذجاً في إثراء الدول التي تعيش فيها وإضافة لها يقدرها الجميع.
وأن هذا كله ينعكس على سمعتها وسمعة الإسلام عموماً وهو منها سلوك حضاري في معاني المواطنة بصدقها وإخلاصها وتميزها، وشكرٌ منها لتلك الدول على الرعاية والاستضافة والتوطين، وفي طليعة أخلاق المسلم الوفاء ورد الجميل على هدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي ترجمت سيرته العطرة أسمى الأمثلة المحتذاة في النبل والوفاء وخاصة مع كل من أسدى إلى المسلمين معروفاً.
وفي ختام الندوة شكر المشاركون للرابطة جهودها في خدمة الجاليات الإسلامية ودعم قضاياها وتعزيز التواصل معها.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والله ولي التوفيق.
صـــدر في مكـــة المكرمـــــة
17/9/1438هـ ـ 12/6/2017م.