كلمة المفتي العام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
الانحرافات الفكرية وسبل مواجهتها
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
 
فبادئ ذي بدء أرحب بصاحب السمو الملكي مستشار خادم الحرمين الشـريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير المكرم خالد الفيصل وصاحب المعالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وأصحاب الفضيلة العماء والمشايخ والباحثين وطلبة العلم والمشاركين في هذا المؤتمر المبارك.
ثم أذكر بالشكر والتقدير جهود رابطة العالم الإسلامي في العناية بشؤون الأمة المسلمة، وقضايا العالم الإسلامي، وذلك من خلال إقامة مؤتمرات لمباحثة ومناقشة ما يستجد من أحداث وقضايا ومشاكل تؤرق قلب كل مسلم غيور وكل مهتم بشأن الإسلام وأهله.
 
فتقوم الرابطة مشكورة باستكتاب ثلة من العلماء والمشايخ وأصحاب الفكر والقلم المهتمين بالشأن الإسلامي، للكتابة حول تلك القضايا والمشاكل ودراستها بشكل علمي من جميع جوانبها، وطرح تلك البحوث على طاولة النقاش والحوار في المؤتمر، ومن ثم الخروج بقرارات يوافق عليها المشاركون في المؤتمر لتكون بمثابة قواعد ومعالم يتم في ضوئها الحلول العملية للمشاكل والقضايا الواقعة، وتحقيق المصالح العليا للأمة الإسلامية.
وأما كلمتي عن موضوع هذا المؤتمر وهو (الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشـريعة) فأقول:
إن الإسلام جاء لهداية البشـرية، وإخراجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والهداية إلى الصـراط المستقيم، قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)
 
وقد نزل الله كتابه الكريم فيه الهدى والبيان والنور والشفاء لما في الصدور، قال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) وقال: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) وقال تعالى: (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلاً من الذين خلو من قبلكم وموعظة للمتقين).
وقد تضمن هذا الكتاب الكريم بيان جميع الأحكام المتعلقة بأمور العقيدة من الإيمان بالله وكتبه ورسله والإيمان بالغيب، والإيمان بالآخرة وما فيها من البعث والنشور، والجزاء، ثم الحياة الأبدية إما في الجنة والنعيم للمؤمنين، أو في النار والجحيم للكافرين.
كما بين هذا الكتاب جميع الأحكام المتعلقة بالإنسان في هذه الحياة الدنيا، من تنظيم الأمور الشخصية للفرد، والشؤون المتعلقة بالجماعة، والأسرة المسلمة، والمعاملات، والقضاء، والعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم بمختلف طبقاته.
 
وبين المحرمات والمعاصي التي يحرم ارتكابها وما يترتب على ذلك من عقاب في الدنيا أو عذاب في الآخرة.
فلم يترك الإسلام أمراً إلا وبين حكمه في نصوص صريحة واضحة في كتاب الله الكريم، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ببيان شاف ليس للشك فيها مجال ولا للزيغ عنها مساغ، ولا لأحد في مخالفتها عذر ولا حجة ولا برهان.
فمن أطاع الله ورسوله فهو موعود بدخول الجنان، ومن عصاهما وخرج من طاعتهما فهو متوعد بدخول النيران، قال تعالى: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (13) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالداً فيها وله عذاب مهين).
ولكننا في عصـرنا الحاضر وبسبب تأثر كثير من شبابنا بأصول ومبادئ الحضارة الغربية والحضارات المخالفة للرسالات السماوية انتشـرت بينهم كثير من الأفكار المخالفة لأصول الإسلام ثوابته والاتجاهات الفكرية المنحرفة عن المنهج السليم والصراط المستقيم.
 
وظهرت في كثير من البلاد الإسلامية موجة الإلحاد، ومخالفة نصوص الكتاب والسنة، وإنكار محكمات الدين وثوابته العقدية والتشـريعية، ومخالفة أحكام الشـريعة الإسلامية بحجة الحرية المزعومة، وبحجة المبالغة في تعظيم العقل، وتقديمه على نصوص الشريعة، وتحكيمه في مناقضة ثوابتها ومحكماتها.
ولا شك أن سلوك هذا المنهج هو بعينه الضلال والزيغ عن منهج الإسلام وعن الصـراط المستقيم، وهو مناقضة لشـريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو كفر وشرك يقود صاحبه إلى النار، قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115) إن الله لا يغفر أن يشـرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشـرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً)، وقال تعالى: (ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب).
والواجب على المسلم طاعة الله ورسوله وعدم عصيانهما، قال تعالى: (وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (33) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم)، وقال (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين).
 
والواجب عليه كذلك التسليم التام لحكم الله ورسوله وعدم مناقضته، قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضـى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا)، وقال تعالى: (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين).
والواجب عليه كذلك إذا اشتبه عليه شيء من أمر الدين أن يرجع إلى محكماته وثوابته وألا يتع المتشابه، فأتباع المتشابه من صفات الذين في قلوبهم زيغ وضلال، قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه من ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب).
 
وليحذر المسلم من أن يجعل عقله وهواه حاكماً على ما ثبت بنص الكتاب الكريم أو ثبت في السنة النبوية المطهرة، قال تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين)، وقال: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، وقال: (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
 
فإذا خضع المسلم لحكم الله ورسوله وأطاعهما، وأخضع هواه وعقله لمقتضـى نصوص الكتاب والسنة، وعمل بأحكام الشـريعة الإسلامية، وصبغ حياته بصبغة إسلامية فهو مبشر بالفوز والفلاح في الدنيا، قال تعالى: (فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين)، (وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا).
وفي الدار الآخرة سوف يفوز بالجنة والنعيم المقيم، قال تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (69) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً)، وقال: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون).
رزقنا الله وإياكم الاعتصام بالكتاب والسنة والعض عليها بالنواجذ، والخضوع لأحكام شريعة الله الخالدة والعمل بمقتضاها لنكون من المفلحين الفائزين في الدنيا والآخرة، والناجين من عذابه وعقابه.
ولا يفتني في هذا المقام أن أشكر ولاة أمرنا خادم الحرمين الشـريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على ما قام به من خدمة للإسلام وجمع كلمة المسلمين والدعم المتواصل لهذه الرابطة حتى أدت رسالتها على الوجه المرضي والشكر موصول لصاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية سمو الأمير محمد بن نايف ولولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
رئيس هيئة كبار العلماء، الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء
رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
 
الأربعاء, 22 مارس 2017 - 14:12