الأمة الإسلامية تمر بأصعب فتراتها في أحداث ذهب ضحيتها الأبرياء
أبوظبي :
تحت رعاية معالي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة ، انطلقت صباح أمس أعمال الملتقى الثالث لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة تحت شعار " الدولة الوطنية في الفكر الاسلامي" بحضور معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، ووزير الثقافة وتنمية المعرفة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان ، ورئيس المنتدى رئيس لجنته العلمية معالي الشيخ عبدالله بن بيه ، وبمشاركة أكثر من أربعمائة شخصية من العلماء والمفكرين والباحثين العرب والمسلمين وتستمر أعمال المنتدى حتى مساء اليوم في فندق جميرا - أبراج الاتحاد في أبوظبي .
وتتوزع فعاليات المنتدى على ستة محاور، وقد بحث المحور الأول في قضية الدولة في الفكر والتجربة التاريخية الإسلامية، وذلك ضمن ثلاثة مواضيع هي: المصلحة وتدبير الدولة في الفقه السياسي الإسلامي، والدولة في الفكر والتجربة التاريخية للأمة، والدولة في النصوص الشرعية واجتهادات الفقهاء. ويعرض المحور الثاني لقضية إسلامية الدولة، من خلال الخلافة، والتشريع، والولاء. أما المحور الثالث فيتناول الدولة الوطنية - المفهوم والسياق.
وقد ألقى معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتي، كلمة راعي الملتقى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي.
وأكد الشيخ نهيان خلال الكلمة التي ألقاها نيابة عن الشيخ عبدالله بن زايد، إلى أن الإمارات دولة وطنية موحدة بتشريعاتها وقادتها وأبنائها، وهي حريصة على دعم كل المجتمعات المسلمة لمواجهة التحديات. وأضاف أن الإسلام يدعو لتحقيق العدل والحرية والمساواة ويتفق مع مفهوم الحريات والحقوق.
ونوه الشيخ نهيان بن مبارك بأن الدولة الوطنية الناجحة في المجتمع الإسلامي تملك هوية وطنية ومؤسسات قوية ورؤية رشيدة وقيادة راشدة.
كما وجّه العلامة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، خلال كلمته، دعوة صادقة لكل القادة والسياسيين والمفكرين أن يتعاونوا معهم من أجل السلام.
وشدد الشيخ بن بيه أن الكثير من المفاهيم نشأت بغير ضبط ديني خلفياته العلمية غير دقيقة، منها مفهوم "الدولة الإسلامية"، ومفهوم "الحاكمية". وقال الشيخ بن بيه إنه لا بد من بناء حصون السلام في القلوب، والإصلاح والشفاء يبدآن من القلوب " وأكد بن بيه أن أكثر المسلمين يحاربون الإرهاب لأنهم ضحاياه وهم أيضاً أكثر المتضررين منه.
من جهته ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة في حفل الافتتاح فيما يلي نصها : " الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد :
صاحب السمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وهو اليوم معنا مما سمعنا من نفائس الكلم الطيب باسمه لا بوصفه، صاحب المعالي الشيخ عبدالله بن بيّه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، أصحاب السمو والفضيلة والمعالي والسعادة، أيها الجمع الكريم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ أما بعد :
فيسعدني باسم رابطة العالم الإسلامي، رابطة الشعوب المسلمة، وهي منظمة دولية مستقلة، تجاوزت في عمرها نصف القرن، المشاركة في هذا الملتقى الحافل بحشده العلمائي الميمون، في سياق الجهود المباركة لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات لمسلمة.
أيها الجمع الكريم :
لقد شهد العالم في سنوات خلت، أحداثاً مؤلمة، وتغيرات متوقعة، أفرزت مشاهد جديدة في المواقف والعلاقات الدولية والانسانية، لم تتجاوز في كثير منها ما لا ملامة فيه على كل من أخذ بالتدابير المشروعة لتحقيق مصالحه ودرء المفاسد والشرور عنه، وكانت السنوات الخمس الفائتة، ذروة واقعاتها، عربياً وإسلاميا ً، مشحونة بأحداث دخلت التاريخ الإنساني من أحلك أبوابه، تضاعفت فيها وتيرة المعاناة والتراجع، جراء التقلبات المفاجئة التي طرأت على بعض الدول العربية، وأحدثت حالة عامة من الفتن والتنافر والصراع الفكري والدموي الخطير، كان سقوط حلب وما صاحبه من دمار ومجازر وانتهاكات انسانية خطرة أحدث عهد بمشاهده الفظيعة .
إن هذا الجمع الميمون في رحاب هذا المنتدى الحافل، يحسب باعتزاز في المبادرات الرائدة للعلاج والأخذ باليد ، ولعل ما يقدمه من أطروحات على خط التقريب والاصلاح وترشيد بعض الرؤى ، وتصحيح الصورة الذهنية عن مفاهيمنا الإسلامية ، يثمل رسالة تحتاج إليها الأمة قاطبة ولاسيما في وقتها الراهن ، ونحن في رابطة العالم الإسلامي، نؤيد وندعم هذه الهمة العالية، كما أننا والمؤمن كيّس فطن، نستطلع مخاطر التوظيف السلبي في مده السيء للمحاولات اليائسة، لخطف قيمنا الإسلامية، وتشويه صورتها بالكذب الفج، أو التأويل الخاطئ، أو المغالط ، وقد نتج عن هذا تطرف هوى في مكان سحيق ، فأشعل بشؤمه العالم بأسره ، مجيراً بزوره كل أعماله مع بالغ الأسف، جيّرها باسم الإسلام ، ودين الله بريء من ضلال منهجه ، ومجازفاته وشطحاته وإرهابه .
لقد رسم المنتدى، ضمن الأهداف التي يعمل لها ، أن يساهم في الجهود التي تبذل في المجتمعات المسلمة، لإخراجها من هذا النفق المظلم بتيه الصراعات الدموية والفكرية ، والاقتتال العبثي وتنازع البقاء المجرد عن قيمه المفضي إلى فنائه وفتح فضاء فسيحاً للعلماء والمفكرين والباحثين يتيح لهم الاسهام برصيدهم المستنير في إعادة الاعتبار إلى المنهج الصحيح ، وذلك باستيعاب المفاهيم الشرعية لتبقى هذه المفاهيم على ما أراد الله لها ، مفاهيم رحمة وحكمة وعدل ومصلحة ولتساهم في تثبيت السلم الأهلي والدولي وتحفظ للمجتمعات أمنها واستقرارها .
لقد أوضحت الورقة التصويرية لهذا الملتقى الثالث فكرة الموضوع الذي تم اختياره للدراسة والبحث والمناقشة عبر محاور هذا الملتقى ، بتفاصيل ضافية وافية ، تميزت بالمتانة والدقة والشفافية ، وفي نقدها الموضوعي مع بعد النظر في الأسئلة التي استجليت للمناقشة والعرض على بساط البحث وذلك حول الدولة الوطنية التي هي الصيغة الواقعية للكيانات السياسية في هذا العالم ، والتي تشكلت في العالم الإسلامي بعد تفكك ما سمي سلفاً بدولة الخلافة وانكشاف الاستعمار الأجنبي ، توافقاً مع الوضع الدولي الجديد الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية ، هذا الواقع الذي أدخل العلاقات الدولية ، في طور آخر ، تحكمه العهود والصكوك والهيئات والمنظمات الدولية التي تحتّم على الجميع التعاطي معها بكل إيجابية .
وعالمنا الإسلامي جزء من العالم الإنساني يتأثر بمؤثراته ، ويتفاعل مع أحداثه وتطوراته ، ولا يمكن أن يعيش بمعزل عن السياق العام للحركة الإنسانية ، ولا سيما أن كثيراً من مقاليد العلوم تحولت منه في سنيّ غفوته ورقدته إلى غيره .
أيها الجمع الكريم :
إن المكابرة في حتمية تقبل الواقع الذي يعيشه العالم بأسره، هو في توصيفه الحصري والدقيق ، هروب إلى واقع آخر ، مموّه بنسج من الخيال والأوهام ، دخل في مواجهة ساذجة مع السنن الكونية بمخادعة للنفس وللخلق، دفعت لسراب وعودها الكاذبة ، دفعت الدماء البريئة وسمعت الإسلام ، نعم . دفعت لذلك سمعت الإسلام أيضاً ، كتلك الأماني التي كانت بعض الحركات في ماضي التاريخ تخدع بها أتباعها لتأليبهم على الحكومات التي كانت قائمة في المجتمعات الإسلامية وقتئذ .
وعلى نسق مشابه يتكون الفكر الذي يعد الناس ببدائل مثلى يسعى إليها عن الدولة الوطنية التي نعيش فيها ، ولا يرى هذا الفكر سبيلاً إلى الإصلاح إلا في تخريبها وزعزعة أنظمتها وصار مع بالغ الأسف لفكره بعض النكاية إثر فراغ في المواجهة الفكرية له ، وفراغ في الحزم معه ، وهو لا يشيع ويتمدد إلا في حلقات الفراغ طرداً وعكساً .
وقد أقامت المملكة العربية السعودية مركزاً للحرب الفكرية يتبع وزارة الدفاع يعنى بهذه المواجهة الفكرية ليستأصل جذور الإرهاب ويفكك رسائله التي وجهها لمستهدفيه .
أيها الجمع الكريم :
لقد تشكل هذا الفوات الفكري نتيجة قراءات مبتسرة غاب عنها في غمرة تطفلها على هذه المعاقد الكبرى وعدم كفايتها للأخذ بزمام أمرها غاب عنها مفهوم الدولة ووظيفتها في فقهنا السياسي المدوّن تحت عنوان الأحكام السلطانية ، كما أن ذلكم الابتسار والتطفل عاش في تنظيره السطحي حالة انحباس في الصورة التاريخية لنموذج الدولة دون أن يراعي التغيرات السياسية ولا أن يراعي الصيرورة الاجتماعية والانسانية وهذا كله شاهد جهل تام بمقاصد الشرعية في فقه أولوياتها وموازناتها وتغير الأحكام بتغير الأحوال في ضوابط شرعية لا تخفى ، ومن المأمول أن الأجوبة المنتظرة من مخرجات هذا المنتدى لعدد شائك من الأسئلة الحائرة عند البعض كفيل بإذن الله بإحداث تصحيحات مهمة للأخطاء الواقعة في بعض القناعات والآراء والمواقف، وذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ختاماً أسأل المولى جل وعلا أن يوفق المشاركين في هذا الملتقى ، وأن يجعل أعمالهم نافعة ، ولوجهه الكريم خالصة، وبالله التوفيق . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته" .
حفل تكريم
وفي سياق متصل استقبل معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة في قصره مساء أمس الوفود المشاركة في "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" .
ورحب معاليه بالضيوف من المشايخ والعلماء بحضور معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى و الدكتور عبدالله بن بيه رئيس المنتدى رئيس لجنته العلمية والمشير عبدالرحمن سوار الذهب رئيس جمهورية السودان الأسبق وسماحة علي الهاشمي مستشار الشؤون الدينية والقضائية بوزارة شؤون الرئاسة والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري وأحمد هليل قاضي القضاة وإمام الحضرة الهاشمية في الأردن والعلامة السيد على الأمين عضو مجلس حكماء المسلمين والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر ولفيف من العلماء والمفكرين العرب والمسلمين.
وتبادل معاليه مع الحضور الأحاديث حول المنتدى ودوره في نشر الوعي بالمنهج الإسلامي القائم على التسامح والعدل والسلام ونبذ الغلو والتطرف والعنف والتمييز الطائفي.
وقال الشيخ نهيان: إن مفهوم بناء الدولة في الإسلام مرتبط بمنظومة القيم والمبادئ التي تحقق العدل والحرية والتقدم والرخاء للمجتمع وهو ما يتسق تماما مع الوعي المسئول للحريات معربا عن أمله في أن تكون المجتمعات المسلمة نموذجا وقدوة للمجتمع الإنساني في العالم.
وتطرق الحضور إلى عدد من القضايا التي تهم الإسلام والمسلمين معربين عن تطلعهم لأن تنجلي صفحة الجماعات الإرهابية وأفكارها الهدامة من عقول المغرر بهم وأن يعم الخير والسلام والتسامح بين الناس.
وأعرب الحضور عن سعادتهم بالمشاركة في المنتدى مؤكدين على بذل المزيد من الجهود في تبيان الصورة السليمة والحقيقية للإسلام في دعوته للتعايش المشترك ونبذ الكراهية والعنف.