يوماً بعد آخر، يقدم لنا معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الصورة الناصعة للوجه السعودي المتسامح في اعتداله، والمنفتح في ثقافته، والرصين في عرض توازناته، والاستشرافي في رؤيته وأهدافه.
ولا شك لدي - كأحد المعجبين بشخصيته وأفكاره - في أن معالي الدكتور العيسى، ومن خلال منصبه الدقيق والحساس، يتوّج مسيرة رحلة طويلة تمرس فيها وأخلص، حتى أصبح على قمة هذه المنظومة الإسلامية، ويحمل على عاتقه رسالة واحدة، ملخصها محاولة استعادة دفّة الأمر الإسلامي الذي اختطف طويلاً على يد حفنة من المنظّرين والمضللين الذين عاثوا في قيم الدين الإسلامي فساداً.
ولا شك أيضاً، أن معاليه، في هذه المرحلة الدقيقة التي يشهدها عالمنا الإسلامي من تحديات جسام هي الأخطر عبر تاريخه، يعي جيداً طبيعة الظرف الاستثنائي الذي يحتاج عقليات استثنائية أيضاً في التفكير أو الحوار أو الحديث، من هنا كانت كلماته في منتدى معهد واشنطن أخيراً، إعادة صياغة للفكر الإسلامي التنويري في الخطاب مع الآخر/ الشريك البشري على كوكب الأرض.
وهنا أيضاً، كانت دلالات كلماته في المنتدى حول أن «الإسلام المعتدل هو الإسلام الحقيقي الذي يؤمن بحق الآخرين في الاعتقاد، فهو يتفهم الاختلاف والتنوع في المبادئ والأفكار» وهي إشارة ذات مغزى تحاول أن تمحو الصورة السلبية المنتشرة - دون فهم - عن الإسلام، وبسبب التصرفات الشاذة لعصابات التضليل الفكري والإرهاب الديني التي اجتاحت عالمنا بكل أسف، ولهذا كان الدكتور العيسى صريحاً وواضحاً وهو يؤكد أن «أصوات الكراهية ضد الإسلام أو ضد الديانات عموماً مرفوضة. كم قُتلت أنفس باسم الهرطقة وباسم مواجهة النصوص الدينية، يجب ألا نلوم الدين إذا كان بعض أتباعه قد زوروا نصوصه. نحارب الأشخاص ولا نحارب الأديان».
هذه الرسالة العميقة تكشف بجلاء عن أزمة فكرية يتمنطق بها بعض المضللين - في الديانات كافة - لتبرير ممارستهم المزيفة وتمريرها، والتي أنتجت لنا هذا الإرهاب المتنوع والذي لا ينبغي حكره على دين دون آخر، وكلها ناتجة عن تأويلات ساذجة تلوي عنق الحقائق والقيم الإلهية والإنسانية، من قبل عناصر التطرف والإرهاب، الذين نشروا ما يعرف بـ»الإسلاموفوبيا» بل رحبوا بها وأولهم تنظيم داعش الإرهابي.
ولعل أخطر ما كشفه معاليه من أن «هناك ناس نعلم أنه ليس لديهم دين حقيقي، يطبعون الشعارات الطائفية وتصفق لهم الجماهير، ويتحدثون أمام المنصات الدولية بشعارات دينية».. لأننا أمام جرس إنذار حقيقي عن كيفية استغلال الناس وتوجيههم بشعارات ظاهرها ديني، أما باطنها فيقوض أسس المجتمعات ووحدة شعوبها.
كلمات الدكتور العيسى وضعت الأمور في نصابها، واستحق أن يكون قولاً وفعلاً وجهاً وطنياً مضيئاً في محفل دولي وإسلامي نعول عليه الكثير لكشف الغمة الفكرية عن عالمنا وشبابنا.. فألف تحية وتقدير له.