الثابت والمتغير مصطلحان حديثان سَريا في كلام أهل العلم، فالأول يفيد القطعي ومواضع الإجماع التي أقام الله بها الحجة بينة في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتي لا مجال للاجتهاد فيها، كما يفيد الديمومة والاستمرار والملازمة والبقاء، قال تعالى: "يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" (إبراهيم، 27). أما الثاني فيفيد مواطن الاجتهاد والتطوير في الشريعة الإسلامية، لأن الاجتهاد المبني على تحقيق مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها مرتبط بالواقع المتغير لكل عصر، كما يفيد المصطلح: التحول والتبديل. وفي القرآن الكريم "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ( الانفال، 53).
والثابت في الشريعة هو الإطار العام الذي يستقر عليه العمل بالدين، إنه ذلك القدر الذي يمثل دين الإسلام وهويته وحقيقته بحيث لا يُتصور إسلام بدونه ، وهذا القدر يمكن أن نطلق عليه الثابت لأنه يلازم حالة واحدة وصورة واحدة لدى جميع أبناء الأمة في كل مكان وزمان وعلى كل حال.
ولا يختلف اثنان في كون الأحكام في الأقسام المذكورة إنما ترمي إلى تحقيق مصالح الناس ومراعاة منافعهم. وبعض هذه المصالح والمنافع يتبدل ويتغير بتغير الزمان أو المكان أو لأي عامل من العوامل التي تؤثر في تغير المصالح.
ولقد كان للعلاقة بين الثابت والمتغير موقع خاص في المجال الفكري والثقافي لأمتنا الإسلامية، وذلك منذ ثبوت النص الديني بعد انقطاع الوحي، حيث كان الأمر منبع إشكالات اعترضت سبيل الناس مع تطور الزمن وتلاحُق الأنظار والاجتهادات، لأن النصوص المراد تنزيلها على الواقع المتغير ثابتة، وهو ما يصطدم مع تغير الزمان ويجعل حركة التطور والنمو تتوقف.
وهنا يبقى لفتح مجال الاجتهاد فضله في حل ومعالجة مشاكل الأمة المتجددة من خلال تواصل المسلمين مع مشاكل العصر المستجدة عبر آلية النظر والاجتهاد التي يضطلع بها الفقهاء والمجتهدون من أجل استنباط وتحصيل الحكم فيها في ضوء القواعد الشرعية المقررة والضوابط الأصولية المعتمدة. وبهذا يتبين أن باب الاجتهاد المفتوح في مراعاته للعلاقة القائمة بين الثوابت والمتغيرات يسهم في حفظ كيان الأمة الاسلامية ووحدتها، لأن ثمة منطلقات وأساسات تتفق عليها جميع الجماعات والمذاهب الإسلامية يمكن الوقوف عند أبرزها في الآتي:
أولا: إن الثوابت بمثابة المبادئ المشتركة والمنهاج السليم والشرعية المتفق عليها عند جميع الطوائف الإسلامية وبمنزلة الدين المشترك، ومن لم يعترف بهذه الثوابت فهو خارج عن الإسلام ، وليس الحديث هنا عن هذه الطائفة، ولكن الحديث عمن يلتزم بهذه الثوابت لكنه يختلف مع غيره في الفروع والوسائل ونحوها مما هو مبني على أصول ومدارك كلها في الدائرة التي أباح الله الاجتهاد فيها. وفي كل ذلك خير وسعة وتيسير ورحمة، يقول ابن تيمية رحمه الله : "فالأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء ليس لأحد الخروج عنها ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء... فالمذاهب والطرائق والسياسيات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء ليكونوا متمسكين بالملة والدين الجامع واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع... وهم مثابون" (الفتاوى :19/117). وعلى ضوء ذلك تجتمع الأمة الإسلامية على هذه الثوابت وتجعلها قاعدة لانطلاقتها وصخرة صلبة لتكوين علاقاتها عليها، فهي القاعدة المشتركة المتفق عليها والمعترف بها.
ثانيا: من خلال فقه الثوابت والمتغيرات يتم اعتراف كل جماعة وكل طائفة بغيرها ما دامت الثوابت مشتركة وما دامت المتغيرات مقبولة ومشروعة، وبالتالي يكون من الطبيعي أن يعذر بعضهم بعضا لأن الإسلام يشرع أسباب التآلف والاجتماع وينهى عن أسباب التقاطع والفرقة. وهذا من شأنه أن يسهم في تعزيز وحدة الأمة وتماسكها.
ثالثا: إن معرفة الثوابت المشتركة بين الجماعات والطوائف الإسلامية من شأنه أن يقرب فيما بينها ويؤدي إلى تحقيق التعارف الإسلامي، والتعاون والتكامل والقبول المتبادل، والاجتماع على ما يجمع من الثوابت والمواقف وعدم إثارة الاختلافات وترك الحزبية والمذهبية الضيقة إلى ساحة الإسلام الواسعة والرحبة.
رابعا: إن الوقوف في مساحة مشتركة من الثوابت يتفق عليها الجميع يدفع إلى الاتفاق على مواجهة التحديات التي تواجه وحدة الأمة الاسلامية مثل تحدي الكفر والإلحاد والعلمانية وتحدي الغزو الثقافي والفكري.
مجالات الثوابت المشتركة في إطار الوحدة الإسلامية
إن الباحث في وحدة الأمة الإسلامية يجد أن الإسلام قد أقام هذه الوحدة على أسس ثابتة ودعائم قوية، وتتفاعل ضمنها متغيرات تجعل واقع الأمة ينمو ويتطور، فالثابت ينتج عنه المتغير، والمتغير يدل على الثابت "ولن تجد لسنة الله تبديلا" ( الفتح، 23).
ولكي يكون الحديث عن وحدة الأمة الاسلامية في إطار من الثبات والتغير محدد الأبعاد وواضح المعالم يجدر إبراز أهم مجالات الثوابت التي تنبني عليها وحدة الأمة وتنسج من خلالها قوتها وعزتها.
أولا: وحدة الأصل الإنساني
وهي الوحدة التي طالما أكدها القرآن الكريم وبيَّن حقيقتها بأساليب شتى من خلال آيات متعددة، وذلك لكي يضعها المسلمون دائما في اعتبارهم، وينطلقوا منها لتحقيق الإخاء والاتحاد المطلوبين، قال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"( النساء، 1).
فالله سبحانه وتعالى خلق الناس من نفس واحدة أي من أصل واحد وجعلهم صنوفا وأجناسا مفرعة من أصل واحد للاحتراز عن الإخلال بما ينبغي أن يكون بينهم من حقوق الأخوة وعوامل التعارف والاتحاد، قال تعالى: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون" (الأنعام، 98). ففي إنشاء الناس جميعهم من نفس واحدة آيات بينات على قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ووحدانيته. وفي التذكير بذلك إشارة إلى ما يجب تحقيقه من الشكر والتعارف، ولذلك كان الانقسام إلى شعوب وقبائل مدعاة للتعارف والتآلف قال تعالى:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" ( الحجرات، 13).
ثانيا: وحدة العقيدة:
وهي من أهم الركائز لوحدة المسلمين مهما اختلفت أجناسهم وأقطارهم، ومهما تباينت ألوانهم وجنسياتهم، وهي من الأصول الأساسية التي جاء بها الإسلام. فعقيدة المسلمين واحدة وثابتة لا تختلف باختلاف الأجناس والأقطار، بل هي واحدة عند كل المسلمين تقوم على الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
وحينما نريد أن نبحث عن مجالات التغير والثبات في البعد العقدي لوحدة الأمة الاسلامية نجد أن الحقيقة التي يكشف عنها الدين في المجال العقدي تحكي عن واقع لا يقبل التغيير، فالكمالات الوجودية الثابتة في حق الله تعالى غير قابلة لأن تنفى عنه في وقت من الأوقات وكذا الأمر في بقية الحقائق الكونية والوجودية.
وبذلك كانت العقيدة الإسلامية إيذانا بمولد مجتمع يخالف المجتمعات التي جعلت أساس وحدتها الجنس أو القبيلة أو الإقليم أو اللغة بخلاف الإسلام الذي جعل أساس وحدة مجتمعه العقيدة التي هي في جوهرها قوة لا تعادلها قوة في ضمان تماسك الأمة واستقرار نظامها والتئام أسباب السعادة والطمأنينة فيها. فالإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره، ولا يوضع في يده ولا عنقه ويجري في دمه، إنما هو معنى اسمه العقيدة. ومن هنا كان الإنسان مَقُودا أبدا بفكرة صحيحة أو فاسدة، فإذا صلُحت عقيدته صلح فيه كل شيء وإن فسدت فسد كل شيء، لذلك كانت عقيدة التوحيد، ولا تزال عنصرا مهما في تحقيق الوحدة الإنسانية سواءً على مستوى التأثير في الكون والمجتمع الإنساني أو على مستوى القدرة على معالجة الكثير من أسباب الاختلاف ومستوياته. وهذه العقيدة تترسخ وتتكامل بالالتزام بأحكام الشريعة.
ومن هذا المنطلق نجد القرآن الكريم قد أكد على هذا المفهوم العقدي في تصوره للوحدة داخل المجتمع الإسلامي ووضع صورتها في هذا الإطار لأنها وحدة حقيقية يمكن أن تحفظ للمسيرة البشرية قدرتها وطاقتها وتكاملها في جميع الأبعاد، وأن تكون هذه الوحدة في الله ومن أجل الله وفي سبيل الله.
ثالثا: وحدة مصادر التشريع
للثبات مظاهر ودلائل شتى نجدها في مصادر الإسلام وشريعته، ويتجلى هذا الثبات في المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع من كتاب وسنة، إذ لا اختلاف في كون مصدر التشريع واحدا عند جميع المسلمين وهو القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن دستور المسلمين هو الأصل، والسنة هي الشرح النظري والبيان العملي للقرآن، قال تعالى: "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين ءامنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما" (النساء، 174-175) .
وإذا كانت الحياة الإنسانية لا تستقيم من دون تشريع قانون يحدد للناس وظائفهم ويبين حقوق كل فرد منهم، فإن حياة الأمة الاسلامية تستهدي بقانون القرآن الكريم وسنة محمد صلى الله عليه وسلم حيث توجد الكثير من التشريعات التي تتسم بصفة الثبات والاستقرار والتي لم ترتبط في تشريعها بمصلحة آنية حتى يقال بإمكانية انتفاء ذلك التشريع بانتفاء تلك المصلحة وهذا ما يعبر عن البعد التشريعي الثابت.
وتهدف الأحكام الشرعية في ضوابطها عموما إلى دعم روح الإخاء والتعاون وسد ذريعة المنازعات والتباغض لتأكيد وحدة الأمة من الداخل وذلك من خلال حرص التشريع الإسلامي على المساواة التامة والعدل بين جميع المسلمين دون تمييز اللون أو اللغة أو القومية.
رابعا: وحدة العبادات
للعبادة في الإسلام شأن عظيم ودور كبير في تحقيق الوحدة بين المسلمين، ويبدو هذا جليا فيما ينعكس من آثارها على حنايا النفس عمقا وبعدا.
فالصلاة مثلا قد فرض الله مواقيتها واحدة، وجعل هيئتها واحدة لا تختلف من بلد الى آخر، ولا من جيل الى آخر. وهي خمس مرات في اليوم والليلة على جميع أبناء الأمة ويُعلَن عنها في وقت واحد فيستجيب المؤمنون للنداء ويجتمعون للصلوات الخمس مناجين ربا واحدا ومؤدين أعمالا واحدة ومتجهين الى قبلة واحدة، وكل ذلك يعزز الوحدة بين المسلمين.
وإذا كان الإسلام قد ضاعف أجر الصلاة بضعا وعشرين مرة عندما يقف مع الجماعة في الصلاة فإنما في ذلك إغراء شديد من أجل الانضواء تحت الجماعة والاصطفاف في وحدة متناغمة مع باقي المسلمين، فالإسلام يكره للمسلم أن ينحصر في نطاق نفسه وينأى بمصلحته عن مصلحة الجماعة وحياتها، لذلك دعا الإسلام أبناءه للجماعة ليتعارفوا فلا يتناكروا ويتقاربوا فلا يتباعدوا ويتحابوا فلا يتباغضوا. فالحكمة من الاجتماع للصلاة كل يوم والاجتماع حول خطبة الجمعة أسبوعيا من أجل إدامة التآلف واستمرار التعارف واستشعار معنى الأخوة وتحقيق أواصر المحبة وتعميق الوحدة وتأكيد وحدة الشعور الأخوي بين المسلمين فتزيل من نفوس المؤمنين كل ارتباط غير ارتباط العقيدة الإسلامية والمنهج الإسلامي المحكم.
أما الصيام فيظهر إيحاؤه للوحدة بين المسلمين قويا وظاهرا ،إذ عندما يطل شهر رمضان على المسلمين يوحد بينهم في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف ألسنتهم، فهو يوحد بينهم في شعورهم وسرورهم في استعادة ذكرياتهم المجيدة ويوحد بينهم في استعادة ليلهم ونهارهم وفي وقت طعامهم وشرابهم ويجعل فقراءهم وأغنياءهم ورجالهم ونسائهم في ذلك كله سواء.
أما الزكاة فهي من أبرز روافد وبواعث وحدة الأمة الاسلامية بما تبعث عليه من تحقيق مشاعر المحبة والألفة والعطف والتعاون وتقوية للأمة جميعا. وهذه المعاني تعمل عملها في وحدة المسلمين وتأليف قلوبهم وتجعلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
أما الحج فهو من أظهر العبادات عملا على وحدة المسلمين، فشعائره ومناسكه كلها توقظ في المسلم مشاعر الأخوة النبيلة بين المسلمين حيث يتجرد المسلمون من الدنيا ومظاهرها وزخرفها ويعودون بأنفسهم إلى وحدة المظهر يُحاكون بها وحدة العقيدة والإيمان، فيعيشون في رحلة الحج حياة الوحدة الإسلامية الجامعة التي تتجسد من خلال الروابط الإيمانية إخلاصا في العبادة وأخوة في الله وتجردا من فوارق الحياة.
وهكذا يلمس المسلمون جميعا من خلال مواظبتهم على أداء العبادات وإقامة شعائر الله ما يؤكد انتماءهم لأمة واحدة، فيشعرهم بالأخوة الخالصة ويوحد كلمتهم ويؤلف بين قلوبهم، وسيبقى كيان الأمة الاسلامية قويا في وحدتها وترابطها وتماسك بنيانها ما واظب المسلمون على أداء هذه الشعائر المفروضة بكل وعي وإخلاص وصدق وإن تباعدت أوطانهم وتعددت جنسياتهم.
خامسا: وحدة الأخلاق والقيم
إن الحديث عن الثابت والمتغير في البعد الاجتماعي لوحدة الأمة الاسلامية حديث له أهميته الخاصة باعتبار أن البعد الاجتماعي يستوعب قسطا كبيرا من تعاليم الإسلام، إذ أن جميع الممارسات السلوكية والآداب الخلقية ومظاهر التعامل الاجتماعي التي تتميز به الأمة الاسلامية وتمثل تشخصها الاجتماعي العام تندرج ضمن هذا البعد.
ومما لا شك فيه أن أخلاق الإسلام وقيمه تعمل جميعها على وحدة المسلمين وتنمية مشاعر الأخوة والمحبة بينهم، ويعتمد التشريع الإسلامي في بناء وحدة الأمة على المفاهيم الخلقية التي تبعث في المسلمين روح التكافل والتعاون، وتؤكد أخوتهم الصادقة وتُشعرهم بالمحبة والرحمة والشفقة التي تدفع عن مجتمعاتهم شر الفتن والمخاصمات والأحقاد، ولهذا جاء اهتمام الإسلام بتعميق المعاني السلوكية والقيمية الفريدة كالتقوى والحلم والنصح للمسلمين والإصلاح بينهم والتعاون والإيثار وتقديم العون عند الكروب والمصائب وإغاثة الملهوفين وحفظ كرامة المؤمنين والدعاء لهم بظهر الغيب.
وهكذا يحقق نظام الأخلاق والقيم في التشريع الإسلامي وحدة الشعور في الآلام والآمال، ويؤكد وحدة المسلمين وأخوتهم ويجعلهم يلتفون حول منظومة موحدة من الأخلاق والمبادئ والقيم تمحو كل آثار التعصب البغيض أو التفرقة.
وعلى هذا الأساس أيضا ندرك أن الأمة الإسلامية تتحمل مسؤولية عظيمة في تجسيد القيم والمثل الأخلاقية والإنسانية التي دعا إليها الإسلام على أرض الواقع، ومن الضروري لهذه الأمة التي تريد النهوض بهذه المهمة الثقيلة أن تعي متطلبات الدور التاريخي الذي تريد الحركة في أجوائه ولعل الذي يعطي للأمة هذا المستوى من الوعي هو معرفتها بخصائص المجتمع ونوعية القيم والأفكار التي تتحكم في صياغة مواقف أفراده وردود أفعالهم.
ختاما يمكن القول بأن الثوابت التي يشترك فيها المسلمون تعتبر أساسا لوحدة الأمة وتماسكها في جوانبها الاعتقادية والتشريعية والأخلاقية وضمانا لعدم خروجها عن الخيارات الكبرى .وبهذه المزية تستطيع الأمة الإسلامية أن تستمر وترتقي ثابتة على أصولها وقيمها وغاياتها، متطورة في أساليب معالجة المستجدات والمتغيرات، قادرة على بناء العلاقات الحضارية والإنسانية على دعائم متينة وأسس راسخة في إطار من الوحدة والتناغم دون أن تفقد خصائصها ومقوماتها الذاتية.