نظمته رابطة العالم الإسلامي ومجلس الإمارات للإفتاء الشرعي
مؤتمر فقه الطوارئ: تقليص أعداد الحجاج وقاية لهم من خطر تفشي الوباء المطبوعبالاستمرار وعدم الاستقرار
التأكيد على ضرورة الالتزام بالقرارات التي تصدرها الجهات ذات الاختصاص الصحيوالأمني
المؤتمرون يطالبون بتفعيل دور المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية بكفاءة عالية لمواجهةالأزمات
التحذير من فتنة الأصوات الرافضة لعبارات وشعارات الأخوة بين أتباع الأديان في بلدان التنوع الديني
مكة المكرمة:
اختتمت فعاليات المؤتمر العالمي فقه الطوارئ.. معالم فقه ما بعد جائحة فيروس كوروناالمستجد، الذي أنعقد ــ عبر الاتصال المرئي ــ بدعوة من رابطة العالم الإسلامي وهيئة علماءالمسلمين برئاسة معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، ومجلس الإماراتللإفتاء الشرعي برئاسة معالي العلامة عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، وبمشاركة نخبةمتميزة من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة من علماء الشريعة؛ وخبراء الواقع، منمختلف دول العالم.
وأشاد المؤتمرون، في البيان الختامي، بالقرارات الرشيدة التي اتخذتها المملكة العربيةالسعودية في ما يتعلق بالعمرة والزيارة والصلوات في المسجد الحرام والمسجد النبوي،والإجراءات الاحترازية بتخصيص الحج هذه السنة لحجاج الداخل (30% من السعوديينو70% من المقيمين)، مؤكدين أن تقليص أعداد الحجاج وقاية لهم من خطر تفشي الوباءالمطبوع بالاستمرار وعدم الاستقرار، وأنها إجراءات متوافقة مع أحكام الشريعة ومقاصدهاباعتبار الظرف الطارئ الاستثنائي الذي أحدثته الجائحة، فهي اجتهادٌ مصلحيٌ صادرٌ منأهله وواقعٌ في محلّه، يقع به فرض الحج المطلوب شرعا ويسقط به الإثم عن الجميع، كُل ذلكفي سياق ما بذلته المملكة العربية السعودية من جهود فائقة - داخلياً وعالمياً - لمواجهة هذهالجائحة، مُتوخية من إسهامها الدولي في ذلك الهدف الإنساني المجرد.
كما أشاد البيان الختامي بدور المملكة العربية السعودية الرائدِ في الإغاثة الدولية المتعلقةِبوباء فيروس كورونا المستجد لمكافحة هذه الآفة والتخفيفِ من آثارها، ممثلة في مركز الملكسلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، باذلةً المساعداتِ المالية والطبية والغذائية والمشورةالتوعوية المتخصصة، والتي لم تفرق في وجهتها والمستفيدين منها بين جنس أو لون أودين، امتثالا لتعاليم ديننا الحنيف الذي جاء رحمة للعالمين.
وأشاد العلماء والمشاركون بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة هذه الأزمةجاعلةً من إغاثة الإنسان مهما يكن دينه أو لونه أو عرقه أو مكانه البوصلةَ والهدف الأسمىلجهودها.
وذكر المشاركون بالإشادة جهود رابطة العالم الإسلامي الإغاثية وما قدمته من مساعداتودعم لجهات الاحتياج حول العالم للمساهمة في التصدي لجائحة كورونا والتخفيف منآثارها وتداعياتها الاقتصادية والصحية، التي استفاد منها الملايين في 25 دولة، في إطاراستجابتها للدور الإنساني الذي تقوم به في العالم دون تفريق بين لون أو عرق أو دين،إضافة إلى جهود الدول الإسلامية وغيرها والمنظمات الدولية كمنظمة التعاون الإسلاميالتي قدمت مساعدات طبية وإنسانية للدول المحتاجة إلى مساعدة، ما خلف أثراً طيباًوسمعةً حسنةً، وخفف من آثار هذا الوباء في العالم أجمع، منوهين بتضحيات الطواقمالطبية وتفانيها في إنقاذ الأرواح وعلاج مرضى هذا الوباء والعناية بهم، وبجهود كلالعاملين أفرادًا ومؤسسات في مكافحة هذه الآفة، مذكرين بعظم الأجر والثواب الموعود به كلمن أحيا نفسًا وحافظ عليها.
وأوصى المشاركون في البيان الختامي بتكوين لجنة لحصر الأحكام والاجتهادات الفقهيةالقيمة الواردة في جلسات هذا المؤتمر، وإصدار مدونة بها، والتوصية ببث تسجيلاتجلسات المؤتمر، وطبع بحوثه ومخرجاته ليعم النفع بمضامينها ومناهجها وأدلتها، وتصلإلى المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية والباحثين الشرعيين والجهات ذات الصلة بالبحث الفقهي.
وأكدوا ضرورة تفعيل دور المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية بكفاءة عالية ينشط فيه الفقهالشرعي والفقهاء لكي يواجهوا الحالات الطارئة والمستجدات المتكاثرة والمتتابعة، في عالمدائب التطوير والتغيير، مع متابعة البحث العلمي في فقه الطوارئ في مختلف مؤسساتومنابر البحث العلمي من جامعات ومعاهد ومراكز ومجلات متخصصة وغيرها إسهاما منالفقه الإسلامي المعاصر في حل مشاكل المجتمع وتعريفًا بغنى التراث الفكري الإسلاميوبحاجة البشرية إليه في كل زمان ومكان.
كما وشددوا على ضرورة العمل بكافة القرارات والأنظمة والاحترازات التي تصدرها الجهاتذات الاختصاص الصحي والأمني من أجل مواجهة هذا الوباء، وأن هذه القرارات معتبرةوملزمة شرعا لما فيها من تحقيق للمصالح ودفع للمفاسد الخاصة والعامة، وأن من يخالفذلك ويتساهل فيها فهو آثم شرعًا، ومستحق للعقوبة قانونًا.
ودعت التوصيات، جميع المسلمين إلى الاستمرار في أداء واجبهم الإسلامي والإنسانيالشرعي والحضاري في تقديم الدعم المطلوب من صدقات وزكوات وتبرعات، والعمل علىكفاية حاجات المتضررين، والتراحم والتعاون مع مجتمعاتهم، وإظهار روح الإيثار والتضامن،وتجسيد أخلاق الإسلام وقيمه في أوقات الأزمات والشدائد.
كما دعا المشاركون في بيانهم الختامي، الأئمة والدعاة والمنصات الفكرية والعلمية إلى أداءدورهم في إرشاد الناس ودعمهم روحيًّا وثقافيًّا بوسائل الاتصال الحديثة، وتبنّي خطابحضاري إنساني عالمي، وبثّ روح الأمل والتفاؤل، وإبراز مظاهر التيسير والرحمة في أوقاتالبلاء والمحن، لما ينشأ عن الاستقرار النفسي من أثر على تعزيز المناعة البدنية.
وتوجه المؤتمرون بجزيل الثناء والشكر لرابطة العالم الإسلامي ومجلس الإمارات للإفتاءالشرعي على عقد ورعاية هذا المؤتمر، منوهين بجهود معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، وجهودمعالي العلامة عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي فيتقديم الصورة الصحيحة المشرقة لرحمة الإسلام وسماحة شريعته وفي خدمة قيم التسامحوالاعتدال والوحدة الإسلامية والأخوة الإسلامية والإنسانية والتضامن بين الشعوب علىاختلاف أجناسها وأديانها وثقافتها.
وضمن نتائج المؤتمر العامة، أكد المشاركون في بيانهم الختامي أن من القيم المركزية التيأظهرت هذه الأزمة ضرورتها قيمة التضامن بين البشرية لمواجهة المخاطر التي لا تفرق بينالشعوب والأجناس والألوان والأوطان، بل تصيب الجميع على تنوع أعراقهم وتعدد نحلهموأديانهم وتفاوت طبقاتهم ومستوياتهم.
وأكدوا اتفاق الديانات السماوية وفي مقدمتها الإسلام، على أن الإحسان في أوقات الشدائدوالمحن؛ ينبغي أن يكون مُمتدًا لجميع الناس بغض النظر عن دياناتهم، وأن جميع الخلقمشمولون بواجب التضامن في استبقاء الحياة التي هي في أصلها هبة ربانية.
ونبَّه المؤتمر على خطورة خطاب الكراهية ومن ذلك أصوات رفض عبارات وشعارات الأخوةبين أتباع الأديان التي أسست لها الشريعة في عدد من النصوص، وما لذلك الرفض منخطورة على مواثيق الأخوة الوطنية في بلدان التنوع الديني وما يُفضي إليه هذا الأمر من إثارة الفتن فيها؛ فبين المسلمين واليهود والمسيحيين وغيرهم أُخوة في الإنسانية وأخوة فيالمواطنة ولا علاقة لها بأخوة الدين، ومن أدب الإسلام الرفيع حسن الخطاب وتأليف القلوب،كما نبَّه في هذا السياق على خطورة اجتزاء النصوص الشرعية، ومن ذلك ما يتعلق منهابفئات معينة من أهل الكتاب وتعميمها عليهم جميعاً، بينما قال الله تعالى عنهم (ليسواسواء)، وأكد المؤتمر على ما في هذا التضليل من الكذب على الله ورسوله والإساءة لدينالإسلام والتحريض عليه.
وذكر المؤتمرون بالحقيقة القرآنية، التي تقر أن حياة نفس واحدة كحياة البشر جميعاً،وخسارتها كخسارتهم جميعًا، منوهين إلى أن التعاطف الإنساني في الأزمات يُجدد شعورهم بالانتماء إلى الأسرة الإنسانية، والقرآن الكريم يؤكد أن السعي في إحياء نفس واحدة إنماهو سعيٌ لإحياء جميع الأنفس: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)، ومعتبرين أنالتحديات والأخطار المحدقة بالعالم بسبب هذا الوباء تضع الجوانب الأمنية في أولوياتشروط القدرة على تجاوز الوضع الراهن ورسم معالم المستقبل، ومن ثم يتعين رص الصفوف واجتماع الكلمة ومعالجة صور النزاع والفرقة، والتأكيد على خطاب التسامح والعدل والأخوة وتفعيله اجتماعياً.